الضبع و البريئة | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية
الضبع و البريئة
تداول الأصدقاء صورة على موقع الفيس بوك لضبعِ مجندلِ على فرشة في غرفة متواضعة كما تبين من الصورة في بيت صياد ضباع، و قد ذُبح هذا الضبع ذبح الشاة، و لا ندري هل أطلق عليه النار ثم ذبحة أم خلاف ذلك. كذلك ظهرت في الصورة إبنة الصياد الي لم تتجاوز السنتين أو الثلاث واضعة يديها على الضبع؛ أُخفيت ملامح الصورة فلم نتبين تعبير وجهها. لقد كانت الصورة موضع استغراب و استنكار، و نالت الكثير من التعليقات. و قد دارت التعليقات من المعلقين بمختلف خلفياتهم الثقافية حول محورين أساسيين : الصيد الجائر و العبث ببراءة الطفلة.
و بغض النظر عن صورة الضبع بحد ذاتها، إلا أنها فتحت الباب لمناقشة موضوع مهم و هو الحفاظ على تلك الحيوانات، و خاصة تلك المهددة بالانقراض؛ الى أي مدى يجوز لنا العبث بهذا التوازن الطبيعي لهذه الحيوانات؛ لقد أصبح من الضروري وضع القوانين الناظمة لهذه المسألة. و مهما كان الحيوان مفترساً أم مسالماً فإن من حقه علينا أن نحافظ عليه و نحن حملة الأمانة الربّانية التي كلفنا بها الخالق، و خليفته في الأرض.إلا إذا أصبح وجوده خطراً على من حوله من بني البشر، عندئذٍ يجوز التعامل معه بالوسيلة المناسبة.
و للتوضيح فلم يثبت أن الحيوانات عموماً تفترس أو تهاجم غيرها إلا في حالتين و هما الجوع أو دفع الهجوم عليها؛ فإذا جاعت هاجمت لتحافظ على حياتها و لا تأكل أكثر من حاجتها كما سمعت من الشيخ الشعراوي رحمه الله؛ و كذلك إذا شعرت بخطر يهاجمها فتدفع عن نفسها الخطر. و هي بهذه تختلف عن بني البشر الذي يقتلون لأسباب ليس من بينها الجوع و الخوف من الخطر كما نعلم و نرى و نسمع، فقط أنظر حولك.
لست على دراية كبيرة بالشريعة الاسلامية، و لكني لم أسمع بحِلّيِة استباحة دم هذه الحيوانات من أجل منفعة مادية كالمتاجرة بجلودها أو ما يمكن الانتفاع به منها. إنما على ما أعتقد جاء الذبح للحيوانات التي ننتفع بلحومها مثلا و كذلك بشرط الحفاظ على نوعها و عدم المساعدة بانقراضها. و حتى في حالة الذبح فقد نص الحديث عن أن نحد الشفرة و نريح الذبيحة فلا نعذبها و لا نتلذذ بذبحها. و هذا القانون الربّاني الرحيم ينطبق كذلك على الحيوانات الأخرى و منها سعادة الضبع، فإذا دعت الحاجة لقتله دفعاً لخطرٍ يتهددنا فلتكن قتلة خفيفة مريحة.
يجب أن تنهض الدولة بمسؤولياتها و تسن القانون الذي يردع هذا الجور في اجتثاث هذه الحيوانات التي ستختفي يوماً من الأيام إذا استمرينا بهذا القتل البشع لها. و لا يجوز أن يبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه في هذا المجال. نسمع كثيراً عن صيد الضباع كما شاهدنا على التلفزيون الأردني في العام الماضي لرجل محترف يدخل أوكار الضبع فيخرجه سليماً، و سألت نفسي عندها أين يذهب هذا الرجل بهذه الضباع؟ و لم أعثر على جواب. كنت أتوقع أن تكون هناك محميات لهذه الحيوانات لتتكاثر فيها، ويشاهدها الناس.
بقيت الصورة الثانية للحدث و هو رؤية الأطفال لمنظر الدم و القتل. و بغض النظر عن رأي والد الطفلة بالموضوع الذي كان فخوراً بما فعله، و يريد بتصويره لها إلى جانب الضبع أن يقوي قلبها لتصبح صائدة ضباع كوالدها. هنا أنقل رأي الدكتور محمد نوح القضاة كما سمعته على التلفاز عندما تحدث عن ذبح الأضحية، و شتان بين الحالتين، قال أنه من الأفضل أن لا ترى الأطفال منظر الدم عند ذبح الأضاحي إذا كانوا يخافون من ذلك؛ فإذا كان هذا هو الوضع من التحفظ على مشاهدة الدم بخصوص دم الأضاحي، فإن الحالة الثانية تصل فيها عدم الأفضلية الى درجة الكراهية و الله أعلم.
لا أدري أي جيل قادم ننتظره و قد عاش على منظر دم البشر، و دم الضباع كما شاهدنا، أو حتى حريق الاطارات و الحجارة ، و استنشق الغاز المسيل للدموع. نحن بانتظار أجيال نزعت من قلوبها الرحمة ليصبح القتل عندها هواية و ربما مهنة لاحقاً و العياذ بالله.
و إذا عدنا الى الموضوع الأصلي و هو الثروة الحيوانية و الحفاظ عليها و منها الضبع. فإن للضبع حكايات كثيرة في تراثنا الأردني، و كثيراً ما كانت ترتعد فرائصنا عندما نسمع قصصها من الأهل عن مغامراتهم مع الضباع على الطريق و لا ندري مدى صحتها. لهذا أشعر بأننا يجب أن ننصف هذا المخلوق المفترس الذي شاركنا معظم سهراتنا أيام زمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق