الاثنين، 22 فبراير 2016

سوريا في ضمير باب الحارة و دريد لحام

سوريا في ضمير باب الحارة و دريد لحام
تثور زوبعة إعلامية هجومية حول الفنان دريد الحام وغيره لموقفهم من الأحداث في سوريا؛ وأخذ عليهم المعارضون مساندتهم للنظام السوري، وبالرغم أن ما قالوه حق شخصي لهم يقع في باب حرية الرأي، لكني أرى فيه أيضاً دعماً لوحدة سوريا وشعبها كذلك، باعتبار أن النظام ما زال يقبض على خيوط الشرعية الدولية، وتتفاوض معه كل الدول من خلال مبعوثي الأمم المتحدة وما زال يملك القدرة على التعاون وإبرام المعاهدات مع الدول الكبرى كروسيا.  وهذه المواقف عبر عنها العديد من الفنانين وليس دريداً فقط.  وورد مثل هذا الدعم في الأعمال الفنية الشهيرة كباب الحارة مثلاً.  فوحدة سوريا أرضاً وشعباً هي هاجس كل السوريين والحريصين على هذا الطود العربي حتى لا يلحق بجاره العراق وإن كان هذا النظام  في سوريا يتحمل جزءاً لا بأس به من المسئولية عن ما حدث للعراق. 

لقد جَبَّتْ الأغنية التي ختم بها المخرج لمسلسل باب الحارة حلقته الأخيرة كل أخطاء المسلسل الفنية فغفرنا له ما قد سبق.  أريد هنا أن أتوقف عند المشهد الأخير لباب الحارة عندما جاء الضابط الفرنسي ليهدم باب الحارة؛ نظر أبو عصام إلى منافسه على الزعامة (أبو ظافر) وسأله رأيه فقال أبو ظافر  ( على أرواحنا يا ابو عصام ) وجثوا جميعاً على ركبهم متحدين للوقوف بوجه الفرنسي المحتل.  ثم جاءت الأغنية الختامية حارتنا كرامتنا لتسدل الستار على مشهد وحدوي لجميع السوريين.  وفي الحقيقة لو لم يكن في هذا المسلسل إلا هذا المشهد لكفاه، وهذه هي المرة الأولى التي أشعر بها أن هذا المسلسل قد قال شيئاً مفيداً لمشاهديه. 

ونعود  للفنان القدير الأستاذ دريد لحام فأوجه السؤال لكل من أخذ على الأستاذ دريد هذا المأخذ:  أين يجب أن يقف غوار؟ ومع أي جهة؟ ومع أي فصيل يقاتل في سوريا؟ أيقف مع النصرة أم الجيش الحر أم داعش أم أم أم.  سيقول المهاجمون يجب عليه الوقوف مع الشعب. هنا يجب الملاحظة أن ما يحدث بسوريا يختلف عن كل أشكال ما يسمى بالربيع قبل سوريا. لا يوجد في سوريا حراك واحد ضد النظام مطالباً بإسقاطه أو إصلاحه؛  إنما مجموعات تتقاتل لتبحث عن موطئ  قدم لتصبح منطقة نفوذ لاحقاً في سوريا.  لهذا اختار الفن أن يبقى مع ما تبقى من شرعية واضحة في سوريا وهو النظام والجيش.   ويعرف الاستاذ دريد صعوبة المركب الذي ركب ولو أراد الإعلام وبريقه لاختار  الأسهل وهو الهروب من سوريا ويحل ضيفاً على إحدى القنوات ويحصد الملايين حسب قوة شتمه للنظام؛ فالدفعات ترتفع بارتفاع وتيرة الشتم وكل شي بحسابه.

لا أكتب فزعة للأستاذ دريد ولكني أتخوف من نفس الأصوات بخصوص  ما يجري في بلدي لا سمح الله؛ فلو أننا في الأردن تعرضنا لما تتعرض له سوريا، فأين سنقف؟  أعيد التأكيد بأن ما يحدث بسوريا مختلف عن مصر أو تونس.  هي مجموعات تتصارع فلا تعرف الشريف من الحرامي فأين سنقف؟ وهل سيعاب علينا الوقوف مع النظام أو الجيش الذي سيكون من أولوياته محاربة أعداء الداخل بنفس قوة محاربة أعداء الخارج.

لا أبرئ النظام وأحمله كامل المسؤولية عن تهجير هذه الملايين العديدة من السوريين الأبرياء خارج سوريا، ولكن وبنفس القوة أتهم باقي القوى المعارضة للنظام بأنها كانت له عوناً رغم أنه يحاربها بقوة وشراسة أينما تواجدت بغض النظر عن تواجد المدنيين أو لا.  فكل الأطراف لها يد بهذا التهجير إضافة طبعا لسماسرة الهجرة التي تترعرع وتزدهر عادة في الحروب. 

هذه الأيام أنا قلق جداً على وحدة سوريا أكثر من  قلق الأمين العام للأمم المتحدة: لقد كنت ومن بداية الحرب الداخلية في سوريا أقول "ما لنا ولسوريا" وأقصد بهذا التعبير  التدخل بسوريا خاصة بريا.  أما الآن فأجزم أننا يجب علينا شعباً وحكومة أن يكون لنا دور فعليٌ للحرص على وحدة سوريا أرضاً وبلداً لأن فيه وحدة للأردن.  شخصياً لست مقتنعاً لا بربيع ولا بحقوق شعوب تطالب بحريتها مروراَ بهذه الفوضى التي نعيش.  ما يجري في سوريا هو حرب إسقاط للبلاد قبل الأنظمة، وتفتيت للدول وتقسيم للشعوب.  لا ننكر طبعا أن هناك الكثير من  الأمور التي يجب أن تجلس الأطراف سوية لحلها ولكن ومع الأسف هذا التعنت الداخلي المدعوم خارجياً كلٌ من جهته لا يقل خطراً عن بلدوزر الانتداب الفرنسي لهدم الحارة.  تأخذ كل طرف العزة بالإثم بعد كل انتصار زائف فيتمترس خلف نشوة هلامية فيصر على عنجهية تجعله يظن نفسه قاب قوسين أو أدنى من التربع على عرش الشام  أو القضاء على خصمه فيستمر في غيه، ويستمر السقوط.

فهل ستضع القوى المتصارعة كلها يدها بيد الآخرين على طريقة (أبو عصام وأبو ظافر بباب الحارة) ليصيحوا  بصوت واحد  ( على أرواحنا يا ابو عصام ) لتقف العرب خلفهم داعمين مؤيدين مباركين؟ أم هل تأخروا وتأخرنا عن طرحنا؟ إن ما يحدث في الشام إلى جانب الكثير من الفوضى هو محاولة البعض من أبنائها الغيارى للوقوف ضد من يحاول تدمير الشام تاريخاً وحضارة قبل النظام.  فلا يمكن لعاقل أن يتصور أن يكون وراء إصرار كل الأطراف على عدم التفاهم إلا الإصرار  على تدمير الشام  نفسها. 

حفظ الله الشقيقة الجارة سوريا
حفظ الله الأردن حفيد الثورة العربية الكبرى من كل شر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق