الاثنين، 4 مارس 2013

موسم الهجرة الى الأردن


موسم الهجرة الى الأردن

لا أخفيكم أنني أصبحت أشعر بالحزن و الأسى لحال الاباء و الأجداد رحمهم الله عندما أقرأ بتاريخ الأردن عبارة " الأردن موئل الأحرار" التي كثيراً ما نرددها  للإشارة الى تلك الموجات التي أمّت الأردن من مختلف البقاع و أقامت عندنا ببداية القرن الماضي، رغم أن الهدف كما كان معلنا بذلك الوقت أنهم سيعودون فور زوال الظلم و الطغيان، و هي رغم قلة عددها لكنها كبيرة مقارنة مع عدد سكان الأردن بتلك الفترة من الزمن.  و أشعر بالغُبن عندما أسمع تصريحات المسؤولين من أصحاب الدولة بأن من تولى منصب رئاسة الوزراء ببداية تكوين الأردن ليس أردني الأصل و المنبت و أن تجنس بعد ذلك، طبعا دلاله على تسامحنا و عروبتنا، و يداخلني شعور غامض بالنسبة للمستقبل.  فمن قدم الى بلادنا  بذلك الوقت قاسَم أهلنا كل شيء رغم أنهم في زمن (القِلّة) و هم (أهلنا) يتغنون بمقولة موطن الأحرار.  بينما لم أسمع من المهاجرين مثل هذه المقولة باستثناء مقولة أن الأرض لله يورثها عباده الصالحين، و التي تعني (بالأندري) أن لا فضل لأحد على أحد.

و ما أشبه اليلة بالبارحة، و علي ما يبدو أن هذه كِتبة كتبها الله على هذا البلد، فها هي الموجات تتدافع على حدودنا، و الحال كما كان بالسابق و لا يختلف عنه بشيء، فاستقبلناهم بالفزعة، و تغنينا بنفس الشعارات، و مِنّا من عرض بيته للأحرار دون أجرة، و لم يستفيق الأردنيون الى تعاظم هذه الموجات الا بعد فوات الأوان عندما  قاسمهم المهاجرون ماءهم و نافسوهم بمصدر رزقهم. و زاد الطيب بلة أن هذه الجموع وُضعت في مخيمات أصبحت بعد ذلك (و لا ننكر صعوبة العيش فيها) مراكز تجارية  يؤمها الأردنيون للتسوق ليتوقف حال المناطق المحيطة.  و تطور الأمر فيها الى أن أصبحت هذه المخيمات ( أو أوشكت) لا يؤمن دخولها من الأردنيين فرادى.  تكاثرت حوادث الشغب و العصيان و التمرد حتى على قوات الأمن و تم  الاعتداء عليهم.

ما يدعو للخوف هو ليس الموجود فقط و إنما الموجات المتلاحقة الجديدة ، و يظهر أن هذا السيل من الهجرة لن يتوقف قريبا و حتى بعد زوال النظام ( إن زال)  و ذلك بسبب انعدام الأمان هناك بعد نجاح الثورة كما حصل بكل دول الخراب العربي التي (تحررت) من الظلم و الطغيان.  هذا السيل الجارف من المهاجرين الذي يزاد يوما بعد يوم لا تؤشر بوصلته الا لمستقبل مظلم لهذا البلد، و لا أتحدث عن كيان الدولة طبعا و إنما أقصد الشعب و الديمغرافيا.  هذه الهجرة لم يسبقها بتاريخ بلاد الشام إلا هجرة اللاجئين بنكبة 1948  و التي لعب بها الإعلام الصهيوني و من سانده من إعلام مضلل بتهجير البلاد من أهلها بفلسطين. فهل يمارس ورثة هذا الإعلام المُضلل بإمكانياتهم الهائلة نفس الدور بالتهجير بما يُبث من مواد إعلانية لعبت التكونولجيا بها الدور الأهم.  أشعر و كأن هذه الهجرة تسابق الزمن و تهدف إلى تفريغ المزيد من المناطق قبل انهيار النظام أو التوصل لتسوية لتصبح المخيمات الجديدة أمراً واقعياً و يجب التعامل معهم كواقع ملموس، و ربما فرضنا كوتا لهم بالبرلمان كذلك.

للأسف هناك من ما زال من أهلنا ممن يحدثنا عن الحالة الأنسانية لهؤلاء، وهم محقّون طبعا و لكن لا يجب الوقوف بوجه محاولات الدولة الخجولة للسيطرة على وضع هؤلاء اللآجئين لتتمكن من معالجتها استجابة لنداءات أهل البلد.  يجب الوقف مع الدولة بمحاولة تصويب أوضاعهم و ليس ضدها بالتشكيك بمصداقية الدولة بموضوع التبرعات و المساعدات،  و التي دفعت الدولة للقبول بأن تشرف الجهات الخارجية على تلك المخيمات بعد حملات التشهير من البعض بذمة الدولة.  هذا الإشراف الخارجي هو انتقاص من هيبة الدولة الأردنية.  و أعتقد جازما أن هذه الجهات الخارجية ستنفض يديها من هذا الموضع قريبا تاركة هذا العبء على كاهل الدولة الأردنية و شعبها الصابر.

 للجميع الحرية بإبداء الرأي و الاختلاف مع الحكومة بموضوع الفساد و الإصلاح و البرلمان و كل ما هو شان أردني داخلي، لكن عندما يتعلق الموضوع بأمن البلد و حمايتها من تهديد ديمغرافي لها فيجب أن نكون كلنا مع جهود الحكومة لتقوى بنا. يجب ان تتكاتف الدولة و كل فئات المجتمع، و لا يجوز أن يطلع من بيننا من يشكك بأمانة الدولة و يسخر منها عندما تطلب من المجتمع الدولي بأن يقف أمام مسؤولياته تجاه اللاجئين، لأن اللاجئين هم نتاج عبث دولي بالدرجة الأولى إضافة الى مشاكلهم الداخلية. و بدون هذا التكاتف يصبح حالنا كحال من يحفر للخروج من الحفرة فيزداد نزولا.  نختلف و نتشاجر و نسخر و نشكك بأي جهد في حين أن الموجات متلاحقة و نحن نتفرج.  هذه الموجات أرهقت المواطنين و الجيش و الدولة و الأمن العام، فلماذا مثلا لا نخصص إحدى جُمع الحراك لدق ناقوس الخطر من هذا الطوفان البشري الذي يتدفق من حدودنا الشمالية.   

أعود لمقولة موئل الأحرار  و على ما يظهر أننا كنا موئل الأحرار من زمان لكن السؤال إلى متى سنبقى موئل الأحرار؟ و لسؤال الثاني كم من الأحرار (المدهنين مادياً) بقي عندنا بالأردن بعد أن قضى منه وطرا؟ و أخيراً و ليس آخراً هل سيخرج علينا بعد خمسين عاما من يعاير أبناءنا بدشاديشنا؟

تلك إذا قسمة ضيزى   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق