الهيئة العليا للجاهات
أذكر أنني رأيت كاركاتيراً عام 2009 على ما أعتقد للسيد عماد حجاج بعنوان جاهة التدخل السريع، و
كان ذلك عندما كانت تتحرك الجاهات من شمال الأردن إلى جنوبه دون استثناء لإبرام
الصلح بين عشيرتين بعد أن تصل الأمور الى طريق مسدود. لقد كانت الأحداث كثيرة بتلك الفترة و كانت
تنتقل الأخبار عنها بسرعة البرق بفضل التكنولوجيا.
لكن ما استجد من
الأمور هذه الأيام أن الحوادث ارتقت
بمستواها؛ فبعد أن كانت بين أفراد من عامة الشعب أصبحت هذه الأيام بين عِلية القوم
من نواب يمثلون من انتخبهم و تحل أيضا بالجاهات و بوس اللحى. و في الحقيقة أن أمر الطوشات العادية بين أصحاب
السعادة ليس جديداً طبعا، فقد بدأه أحدهم من أيام الثمانينات على ما أذكر عندما عض
أذن زميله (أكيد نتيجة خلاف على مصلحة للشعب)و طويت الصفحة بجاهة، و شهدت قاعات
المجلس نقاشاً حامي الوطيس بمنافض السجاير ( و هذه حلتها إدارة المجلس ببوس اللحى
و بتثبيت المنافض بالكراسي)، أما عن حادثة التراشق بكاسات العصير و الماء بيوم
العيد و قبل الذهاب للديوان الملكي للمعايده على جلالة الملك فهذه لا تنسى، و ربما
قامت إدارة مجلس النواب بتوفير خدمة الدراي كلين السريع بالمجلس. و طبعا لا يمكن
نسيان حادثة الحذاء الطائر، و لا أدري كيف ستحلها إدارة المجلس: هل بإلزام أصحاب
السعادة بخلع أحذيتهم بعد فرش المجلس بالسجاد الوثير على حساب الشعب أو بالصاق
الأحذية بالأرجل؟
هذه الأيام نشهد (رُقِياً) في التعامل بين أصحاب السعادة
يتناغم مع القواعد الشعبية بشكل ملحوظ فيكون التأثير متبادلاً. هذه الأيام نشهد
الأسلحة بالمجلس. فإذا كان المشاهدون لجوسات اتهموا القناة بالإهمال للسماح لسعادة
النائب بحمل مسدسه و إشهاره أمام ضيفه الذي استثاره بشتيمة والديه، فلا يجوز ان
نغفل عن تقصير الدور الأمني لحراس مجلس الأمة، و اتهامه بالإهمال للسماح أو
التغاضي أو عدم تفتيش أصحاب السعادة عند دخولهم للمجلس بأسلحتهم. لقد كان ذهولنا
بهذا الإهمال أكثر من الحادثة نفسها، ألا يوجد بوبات أمنية الكترونية تطلق صفيراً
عند مرور الناس من خلالها حاملين أسلحة مهما كان نوعها؟ هل دخول المجلس مباح لمن
هب و دب؟ أم أن نواب الشعب مستثنون من ذلك؟
لماذا هذا التقصير، و لو من باب حماية أرواح أصحاب السعادة هم من بعضهم أو
من الخارج؟
و لا أستغرب بما أن أساليب الحوار ترتقي من طوشة،
لمنفضة، لمسدس أن تترفع الى القنابل المسيلة
للدموع كالتي سمعنا عنها بالجامعات و من يدري هل نسمع بالمزيد. و آمل أن لا تنتقل
العدوى لمجلس الوزراء الموقر و هو سلطة تنفيذية تنفذ ما تقرره السلطة التشريعية،
فهل سنسمع عن طوشة بمجلس الوزراء مثلا من قبيل التناغم مع السلطة التشريعية؟
لا أريد العودة الى الوراء كثيرا ولكن هذه الفترة و بعد
ان استعد المتفائلون في هذا الوطن لعهد إصلاحي
جديد و قبيل الانتخابات ظهر الشريط إياه الذي اطلق عليه ليلة عصير التفاح و الذي
اعتبره سقطة إعلامية بحق صاحبها قبل أن يكون خطأ من المعنيين؛ و انتهت القضية
بجاهة قادها اصحاب الدولة، و بأول غزوات المجلس الإصلاحي الجديد أشهرت الأسلحة و
انتهت بجاهة من اصحاب المعالي و السعادة، و لا أدري فربما يستمر المسلسل بما ان
القضية راس مالها (كما كنا نتندر أيام زمان) فنجان قهوة. أما عن الجاهات التي تذهب لثني معاليه أو سعاته
عن الاستقالة فحدث و لا حرج.
من هنا و لهذا كله ولكثرة الأحداث و تنوعها و اختلاف
مرتكبيها جاءت دعوتي لإنشاء الهيئة العليا للجاهات، و أقترح أن تكون من مختلف
المراتب و المراكز، و كلٌ حسب مستواه. فإذا كانت الطووشة مثلا بين طلاب الجامعة
يذهب في الجاهة أعضاء الاتحادات الطلابية.
أما أذا كانت الطوشة بين عِلية القوم
فيتوجب لهم جاهة من مستواهم، وهكذا.
لهذا و من منطلق
الحفاظ على وقت اصحاب الطوشات أقترح ان تكون هذه الجاهات جاهزة كجاهزية طاقم
الدفاع المدني بحيث يكون نزولهم على عمود و ليس الدرج للباحة الرئيسة للمقر، و
يكون السائق خلف المقود في حالة الاستعداد.
و يجب أن تتنوع وسائط النقل من باصات الكوستر للمرسيدس لطائرة هيليوكبتر و
أيضا حسب قَدر اصحاب الطوشة و أفراد الجاهة. كذلك لا بد من دورات لبعض المشاركين الجاهات و
مستقبليهم بفن الصلح و أنواع العطوات و الفناجين، تجنباً للإحراج.
و مع الاحترام الكامل للجميع فأنني هنا أسأل إلى متى ستبقى
الجاهات حلاً لكل المشاكل؟ للأسف هذه
الجاهات مع كامل الاحترام مرة أخرى لقادتها و شيوخها لا تحل المشاكل بشكل جذري، و
إنما تؤجلها ربما للظهور بوقت لاحق نتيجة جهل الناس بقيمة ما تم الاتفاق عليه. إلى متى سنبقى متجاهلين لقوة القانون؟ هل سيأتي
اليوم الذي نغلق المحاكم و نسرح رجال الشرطة و نعود الى أيام الجاهات عندما لم تكن
الدولة دولة؟
و بالعودة الى ما حدث بالمجلس أقول لو كان نظام المجلس
الداخلي صارماً لما حدثت مثل هذا الحوادث
و لا غيرها كتهريب النصاب مثلا و الذي أعتبره وصمة عار في جبين المجلس. هل للبعض مصلحة في أن يستمر المجلس بهذا الهوان
و يقف بوجه تطوير نظامه الداخلي. إن النظام الداخلي الصارم إنما هو لمصلحة المجلس
قبل غيره و هو الذي سيعيد هيبة المجلس أمام الشعب. النظام الداخلي هو أول درجات
الأصلاح إن خلصت النوايا.
القانون ثم القانون ثم القانون وبعد القانون لا بأس بجاهة تطيب خاطر لا تأخذ
صفة الاستعجال و الإلزام.
و الله تحيهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق