مجزرة الكترونية
في يوم 31 آذار
هذا العام ستتبخر آلاف المدونات على موقع مكتوب ياهو، هكذا و بكليك واحدة (و لا أقول بجرة قلم) ستختفي هذه
المدونات. هكذا سيختفي تاريخ الكتروني
لهذا العدد الهائل من المدونين. و لا أدري
إن وصل الاحساس هذا لأصحاب القرار بمكتوب يا هو أم لا؟ ربما بالنسبة لهم مجرد عبارة ( So what) تكفي. نعم هذا الكيان الافتراضي الذي يُسمى الفضاء
الالكتروني لا لحم فيه ولا شحم و لا إحساس. إنه بباسطة كيان غير موجود.
ندرك طبعا أن من
حكم بماله ما ظلم، و لكن لا أدري أن كانت عبارة (و للموقع الحق باتخاذ ما يراه
مناسبا) كافية لتبرير هذه المجزرة الألكترونية؛ هي مجزرة و لا أجد لها اي اسم
آخر. فإن كانت هذه المدونات مجرد أرقام
للموقع فإنها تعني الكثير لأصحابها، فهي
ليست مجرد حفظ لنتاج أدبي أو سياسي، إنما هي ودٌّ حميم نشأ بين صاحب المدونة و
مدونته و زوارها، شعور لا يعرفه إلا من جربه. هنا تذكرت أحدى المدونات تعرفت عليها ببداية
تفكيري بالدخول لعالم التدوين، و هي مدونة لأستاذ لغة عربية من مصر؛ كان يشرح فيها
دورسة بالعربية و قواعدها و نصوصها ليدخل عليها طلابه و يتفاعلوا معه، و لتعم
الفائدة على غيرهم، و لا أدري كم بلغ عدد زوار هذه المدونة، لكنه قطعا تجاوزت
النصف مليون زائر.
إن القضية ليست قضية
حفظ الانتاج، فربما يكون معظم المدونين قد حفظ كل نتاجه على جهاز جاسوبه، و لكن
القضية لها بعد إنساني اجتماعي. فقد شكلت
المدونات منزلا يستضيف فيه أصحابها زوارهم و يتبادلون معهم الآراء و المجاملات
الاجتماعية.
كنت من
المشاركين الأوائل بالدخول الى موقع مكتوب و كان إيميلي فيه بأواخر التسعينات، و
كنا سعيدين به كموقع عربي أردني متميز نافس المواقع الكبار من أمثال ياهو و أم أس أن، ثم بعد نجاحه الباهر فوجئنا أن أصحابه قد باعوه
إلى ياهو، , حيث أصبح النسخة العربية
لياهو. نعم باعوه بركّابه، و لم تصلنا حتى رسالة اعتذار من أهل مكتوب,
و منذ ذلك الوقت أدركت حقيقة مرة تخصنا نحن الزائرين لمثل هذه المواقع؛ نحن
مجرد أرقام فقط.
بالمناسبة أذكر
أن أحد أصحاب المواقع الأردنية (كانت مبتدئه بذلك الوقت) غضب من أحد الكتاب و شطب
كل مقالاته التي كتبها الزميل على مدى أكثر من عام هو الآخر بكليك صغيرة. و هنا لا
بد من سؤال أصحاب القانون : ألا يوجد بند لحماية حفظ الانتاج الفكري لأصحابه؛ يعني
إذا غضب صاحب الموقع فليتوقف عن النشر و لكن لا يشطب تاريخ هذا الكاتب هناك.
و بالعودة الى
الموضع إياه لا بد من الإشارة أن أصحاب موقع
ياهو كانوا في غاية اللطف و المساعدة ببداية الأمر، و كانوا يجيبوننا اذا اتصلنا
بهم تلفونيا، و يردون على ايميلاتنا لفريق
الدعم الفني و كانت مساعداتهم في غاية
الأهمية. لكن سبحان الله ما أن ظهر إعلانهم
الإعلامي فوق المدونة ليعلمنا أن المدونات
ستُقفل بنهاية شهر آذار مارس و هم لا يردون على إيميل أو استفسار و كأنهم ينتظرون
هذا التاريخ بفارغ الصبر. هكذا كأنهم لم يعرفوننا
من قبل.
نعرف طبعا أن
المادة و الفلوس هي السبب طبعا وراء ذلك، فما الذي يجعلهم يبقون على جزء مهم من
سيرفر الموقع مجاناً لمجرد الاحتفاظ بالمدونات؟
لقد أدت المدونات ما عليها كما يؤدي زوار أي موقع ما عليهم و انتهى الأمر. و هنا أتساءل لماذا لم
يفرضوا رسوما على المدونات لتصبح كالمواقع الالكترونية مثلاً؟ هناك الكثير ممن هم مستعدون للدفع مقابل أن تبقى المدونات.
في الختام و
بعيدا عن هذا الجرح الالكتروني فإن مدونة "دوحة الخطاطبة" على مكتوب ستبقى
ذكرى جميله بالبال بقالبها الأزرق و بعداد زياراتها الذي تجاوز ال 36000 زيارة و
بصفحاتها المتنوعة و بتعليقاتها الإثرائية بالبال. نعم أنشأت مدونة أخرى تحمل نفس الاسم و لكن
بصراحة لا يمكن نسيان أول تجربة للإنسان ( أو أول بخته) فكما هو الحب الأول كذلك
الوظيفة الأولى أو البيت الأول و المدونة الأولى؛
ننقل فؤادنا حيث شئنا و لكن الحب يبقى دائما للحبيب الأول أو المدونة
الأولى؟
كل الشكر و
العرفان لمن ساعدني في عالم التدوين مرشدين و زائرين و معلقين.
و سيبقى هذا التاريخ يسجل لمجزرة الكترونية لا
تُنسى.
شكر الله سعي
الجميع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق